ما بعد المهارات: عندما يكتب برنامج اليونسكو للتعليم والتدريب التقني والمهني للشباب قصص النجاح
Admin (Lebanon)
2021-11-18 الرابط
الجوّ خانق في لبنان وليس بسبب الطّقس فحسب. فقد كرّت سبحة المآسي
على البلاد، بدءًا من تأجُّج الاضطرابات السّياسيّة في أواخر عام 2019، وانتشار
جائحة كوفيد-19، وصولاً إلى تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وعدم توفُّر
الضروريّات واللّوازم الأساسيّة، وضيّقَت الخناق على جميع المقيمين في لبنان، ولا
سيّما الشباب الذين باتوا يواجهون اليوم تحدّيات جمّة للعثور على وظائف.
إسماعيل شاب لبناني، ورهام شابة سوريّة. كلاهما في العشرينيات من
العمر. وهما، كالعديد من أقرانهما في لبنان، يتخبّطان في الوضع الراهن ويكافحان
للبقاء. فقد كان إسماعيل عاطلاً عن العمل
لمدّة 3 سنوات. وكانت رهام ربّة منزل تقضي أيّامها في الاعتناء بعائلتها وطفلتيها
وبيتها. ولمّا تردّد صدى برنامج التعليم والتدريب التقني والمهني الذي تنظّمه
اليونسكو على ألسنة العائلة والأصحاب وتناهى إلى مسمع إسماعيل ورهام، قرّر كلٌّ
منهما أن يغتنم الفرصة ويتسجّل.
يزوّد هذا البرنامج الشباب بفرص تدريب مهني معجّل وقصير الأجل في
مجالات عدّة (إصلاح الهواتف، والخياطة، والتطريز، وتقديم الطعام، وما إلى ذلك)
بهدف تمكينهم ومساعدتهم على الانخراط في سوق العمل. وجميع الدورات التدريبية
مصمّمة لتلبية احتياجات المشاركين ومتطلبات سوق العمل المحلية، كما أنّها توفّر
لهم الدعم الشامل. فإلى جانب التدريب، يتعلّم المشاركون في هذه الدورات المهارات
الحياتية والمهارات الأساسية في القرائية والحساب وريادة الأعمال.
وعبّر إسماعيل ورهام عن مشاعر مماثلة إزاء البرنامج. فقالا
"عندما تسجّلت في هذا البرنامج، لم أتخيّل أنه سيقلب حياتي رأسًا على عقب.
لقد أتاح لي البرنامج فرصة غيّرت حياتي نحو الأفضل". وتجدر الإشارة إلى أنّ
رهام شاركت في دورة التدريب على الخياطة بينما شارك إسماعيل في دورة إصلاح الهواتف.
وقبل التدريب، لم يكن إسماعيل ورهام يعرفان أي شيء عن إصلاح
الهواتف والخياطة. ولكن، بعد المشاركة في تدريب عملي مكثّف امتدّ على بضعة أشهر
(من 1 إلى 3 أشهر)، تمكّن كل منهما من إتقان المهارات التقنية الأساسية في المجال
الذي اختاره، وأصبح شغوفًا في عمله. وأكمل كلاهما البرنامج وتفوّقا فيه، وباشر كل
منهما العمل في مجتمعه المحلّي.
ويستذكر إسماعيل التدريب قائلاً "كان المدرّب لطيفًا وصبورًا
ومتمرّسًا في عمله. وعلّمنا كل ما نحتاج إلى معرفته". بعد إكمال البرنامج،
حصل إسماعيل على فرصة تدريب إضافي مدفوع ثم على وظيفة في محلّ إصلاح هواتف. ويقول
إسماعيل "حياتي الآن تختلف كل الاختلاف عمّا كانت عليه من قبل." ويضيف
مبتسمًا "عملي متعب ولكنني أحبّه". وعندما يعود إلى المنزل مساءً، يأخذ
أدواته معه ويعمل ساعات إضافية لخدمة جيرانه الذين دائمًا ما يقرعون بابه طالبين
المساعدة في إصلاح هواتفهم. "بالكاد لديّ وقت فراغ في المساء، لكنّ عملي
يمدّني بالثقة والعزم. أنا المعيل الوحيد في البيت، والآن صرت أستطيع إعالة عائلتي
ونفسي".
غيّر التدريب حياة رهام أيضًا. وهي تفتخر
بإنجازاتها "تعلّمْتُ كيفية استخدام آلة الخياطة في خمس وعشرين يومًا
فقط". وتضيف "لقد ازداد اهتمامي بالخياطة وقررت أن أشارك في ورش تدريبية
إضافية على نفقتي لتنمية مهاراتي". لقد تم اختيار مقترح عمل رهام
ورعايته في إطار برنامج اليونسكو للتعليم
والتدريب التقني والمهني للشباب اللبنانيين المعرضين للمخاطر والشباب السوريين
المتأثرين بالأزمة السورية في لبنان، والذي
تنفذه مؤسسة الصفدي. واليوم، تدير رهام استوديو صغيرًا في مجتمعها المحلي وتعرض
خدمات الخياطة، والتطريز، وإصلاح وإعادة تدوير الملابس القديمة إلى ملابس أنيقة.
وتشرح "لا يستطيع الجميع في مجتمعنا شراء ملابس جديدة، وبالتالي، يزداد الطلب
على إصلاح وإعادة تدوير الملابس". وتضيف مبتسمة "عملي ليس سهلاً
لكنّه ممتع للغاية". وتحظى رهام بدعم من طفلتيها. "عندما رأت ابنتي
عملي، طلبت مني أن أخيط لها بعض الملابس، فلبّيت طلبها، ففرحت وأحبّت ما صنعته لها
يداي".
لا يمشي إسماعيل ورهام وحدهما على
طريق التطوير المهني. فاليونسكو ومؤسسة الصفدي تعملان على توفير دعم إضافي لمساعدة
المتدربين في العثور على وظائف، وتسهيل انخراطهم السلس في سوق العمل. فيقول خالد
وميراي، المسؤولان عن البرنامج في مؤسسة الصفدي "نحن نتواصل بانتظام مع
الشركات المحلية لتوفير فرص عمل لخرّيجينا. ونشجّع طلابنا على تأسيس عمل تجاري
صغير خاص بهم بعد إكمالهم التدريب. ونزوّدهم بما يلزمهم من أدوات ومعدات أو نمنحهم
تمويلاً أوّليًّا لنساعدهم على البدء". ويشرحان "كان مقترح رهام رائعًا
فقمنا برعاية مشروعها وقدّمنا لها آلة الخياطة لتؤسس استوديو لنفسها".
لوحظ تأثير التعليم على رهام وإسماعيل
في ثقتهما بنفسهما وفي الأمل الذي يملأ عيونهما. ويقصّ إسماعيل حلمه "أنا أحب
الرسم وكنت أريد أن أصبح مهندسًا معماريًا. وسأتحلى بالشجاعة لأغتنم أي فرصة تسنح
لي". وتحكي رهام عن خطّتها المستقبليّة معلنةً "بالتأكيد، أودّ أن أوسّع
عملي عندما يتحسّن الوضع في البلد".
لا تزال بطالة الشباب منتشرة في
لبنان. ووفقًا للبنك الدولي، فاق معدل بطالة الشباب نسبة 17 في المائة لعقد من
الزمن[1].
ولا يساعد تمكين الشباب وتزويدهم بالمهارات والمعارف التقنية في العثور على وظائف
فحسب، بل أيضًا يشجعهم على العيش والنمو بشكل مستقل. وتوجّه رهام رسالة لجميع
الشباب الذين يمرون بموقف صعب، "من المهم جدًا أن يعيش المرء مستقلاً وأن
يتمكّن من الاكتفاء ذاتيًا. لذلك، علينا أن ندرس ونتعلم لنقف على
رِجْلَيْنَا".
التعليم مغامرة تدوم طوال الحياة،
ويؤدي التعليم والتدريب التقني والمهني دورًا أساسيًا على الصعيد الاجتماعي
والاقتصادي في كل البلدان، ولا سيّما للشباب. وتشقّ اليونسكو الطريق نحو تمكين
الشباب، اعترافًا منها بأنّ الشباب الذين يشاركون في التعليم والتدريب التقني
والمهني يتمتّعون بفرصة أكبر من غيرهم للحصول على عمل لائق وكسب لقمة عيشهم
باستقلالية.
رهام وإسماعيل من خرّيجي برنامج اليونسكو للتعليم والتدريب التقني والمهني للشباب
اللبنانيين المعرضين للمخاطر والشباب السوريين المتأثرين بالأزمة السورية في لبنان، وهو برنامج منفّذ بدعم من مؤسسة الصفدي وبتمويل من وزارة
الخارجية النرويجية.